الدكتورة / أمال علي الموسوي
التدريسية / جمانة جاسم الاسدي
يعد موضوع الفضاء السيبراني من المواضيع المستحدثة والتي اخذت حيزاً كبيراً في مجال الأبحاث العلمية ، ونظراً لأهمية الوقوف على دور التشريع به وتنظيم احكام الفضاء السيبراني ، فلابد من ابراز ذلك لتاثيره على المستوى المجتمعي اولاً والدول ثانياً، فالفضاء السيبراني يعرف على انه الحيز الرمزي او الافتراضي الذي يوجد ضمن نطاق الانترنيت، إذن فهو يعني ذلك الوسط الذي يضم مجموعة ضخمة من الشبكات في مكان واحد، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة عام 1982م، الامر الذي دعم عمليات التواصل والتفاعل بين الافراد خاصةً بعد انتشار غرف المحادثات الجماعية والمراسلات عبر البريد الالكتروني، وعليه يعد الفضاء السيبراني بروافده المختلفة ومنصاته المتعددة والهواتف الذكية والتطبيقات التي فيه، وسهولة الاتصال بشبكة المعلومات (الانترنيت) احد اهم المجالات التي تمس حياة المجتمع، فالعلاقة بين العالم الافتراضي وبين افراد المجتمع باتت خطرة الى حد كبير دون تحديد الاستخدام السديد لها، ونظرا لما يتلقاه الافراد من معلومات وأفكار وتواصل اجتماعي غير منضبط بشكل دائم ومستمر دون قيود حتى باتت تشكل جزء لا يتجرأ من مقتنيات الافراد على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، حيث اصبح الدخول الى هذا العالم له تأثيرات عدة منها إيجابي والأخر سلبي، اذ يعد الحصول على المعلومات فيه بكافة أنواعها سهلة وبسيطة جدا.
كما ان الفضاء السيبراني له تأثير سلبي على الترابط بين أبناء المجتمع بشكل عام والترابط الاسري بشكل خاص حتى اصبح إدمان العالم الافتراضي لكل فئات المجتمع مما اسفر على سحب الفرد بعيدا عن الأجواء الاسرية والواقعية، مما يتطلب ذلك ان تقوم السلطات التشريعية بوضع التشريعات المناسبة لحماية حقوق الافراد، كما ان على الدول عند عقد الاتفاقيات ان تضمن وتتضمن تلك الحقوق، وبخلاف ذلك تكون المجتمعات الإسلامية عرضة لانهيار المنظومة الأخلاقية وطمس القيم الاجتماعية السليمة التي حافظت على تماسك تلك المجتمعات.
وعليه يمكن القول انه لابد من تغيير منهج التفكير وتوجيهه نحو المبادئ الإسلامية والقيم الدينية والأخلاقية ونشرها والتعريف بسمات المجتمع المسلم استنادا الى احكام الشريعة الإسلامية، كما يمكن ان يستفاد من المواقع النافعة الأخرى، بحيث يمكن لنا ان نجعل من الفضاء السيبراني بكل منصاته الواسعة مساحة كبيرة لمسلمي العالم لنشر الإسلام واحكام القران وتطبيقاتها في الكثير من القضايا التي تعرض على القضاء.
كما ان الاغفال التشريعي لاستخدام الفضاء السيبراني وفق ضوابط سيؤدي الى عدم إمكانية الاستخدام بمعقولية وحكمة، انما سيكون بصورة عشوائية وخطيرة، مما يتطلب ذلك ان يتوجه التشريع بتنظيم هذا الفضاء بوضع القيود وذلك بتحديد الفئة العمرية، ووضع الضوابط المناسبة وفق أنظمة القيم التي تدعم هوياتهم، ونقترح ايضاً تفعيل دور الباحثين والمفكرين في التفاعل مع تحديد هذه الأنظمة ،لان الامر لا يخلو من بعض المخاطر، منها الامن المجتمعي، فقد يتعرض الأشخاص ضمن هذا الفضاء أحيانا الى الاستيلاء على المعلومات الشخصية.
ان الامر يتطلب هنا تحديد خدمات تبادل الصور ومقاطع الفيديو والوثائق ووسائل الاتصال السريعة، والمعلومات المنضبطة، والمواقع العشوائية، وحتى وسائل الترفيه المختلفة لابد من تحديد برامج منظمة تحمل شيء من العقلانية بدلاً من قتل الشباب لوقتهم الثمين، وتضييع يومهم في أشياء لا معنى لها، واتخاذ بعض التصرفات غير الأخلاقية، وبالتالي تنبثق العديد من القضايا اللاأخلاقية للمجتمع، والتي تكون بالنهاية عرضة امام المحاكم، فيجب المحافظة على القيم والمبادئ والعقيدة الدينية والهوية والانتماء الإسلامي.
كما يتبين ان الاتجاه نحو استخدام الفضاء السيبراني دون تنظيم قانوني هو الطريق المؤدي حتما الى تفكك العلاقات الاجتماعية عامة والاسرية خاصة، وزعزعة العلاقات من خلال مقابلات الشباب وقضاء وقتهم امام الشاشات وخلق صداقات عشوائية مشبوهة بدافع الانجذاب الغريزي عبر ما يعرض في التطبيقات دون قيد او شرط ، فضلا عن ذلك سهولة مشاهدة الفيديوهات والصور غير الأخلاقية، وهذا ما يلحق ضرر جسيم بدينهم وأخلاقهم وسلوكهم، وهذا ما نستهجنه في المجتمع الإسلامي ولا نسترضيه.
ونرى خلو هذه التشريعات من تنظيم قانوني يضع عقوبات صارمة لكل من يتجاوز استخدام هذا الفضاء بشكل غير مشروع، لذا نوصي المشرع العراقي بضرورة القيام بتحديد كيفية استخدام هذا الفضاء، مستعينا بالكفاءات القانونية والدارسين والباحثين لوضع الآلية الجديرة بتحديد استخدام الفضاء السيبراني، ووضع قوانين صارمة لكل من يخالف ذلك، كما يتطلب الامر تضافر جهود المؤسسات المختلفة في كافة مجالاتها، كما يجب ان يكون دور الاسرة فعالا ابتداءً، بمعية المراكز الإعلامية والبحثية لنشر الوعي حول كيفية استخدام الفضاء السيبراني والمواقع بشكل سوي وتسليط الضوء على العواقب والاثار المترتبة على الاستخدام غير السوي.